اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
141359 مشاهدة
الحج بين تحقيق التوحيد ونفي الشرك

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نذكركم بنعم الله تعالى بفضائله على عباده.
وإن من أكبر نعمه أن هدانا للإسلام؛ أن جعلنا مسلمين، فقد حرمت أمم كثيرة هذه النعمة التي هي نعمة الهداية، ونعمة الإسلام، واختاروا أديانا أخرى غير دين الإسلام، وهدى الله هذه الأمة الإسلامية، وأنعم عليهم بهذه النعمة، وأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة وهو واقف بعرفة قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .
أخبر بأنه أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وأن من أتم وأعظم النعمة أن رضي لنا الإسلام دينا؛ فعلينا عباد الله أن نحقق هذه النعمة التي هي الإسلام الحقيقي؛ وذلك لأن كثيرا ممن ينتمون إلى الإسلام لم يحققوا الإسلام الذي هو الإذعان والانقياد لأوامر ربهم سبحانه وتعالى.
نذكركم أيضا بنعمة ثانية: وهي نعمة التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله تعالى، فإن أعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه الشرك، وهو دعوة غير الله معه ونعوذ بالله.
فمن وفقه الله تعالى وحقق هذا التوحيد أخلص العبادة لله عز وجل؛ فهو ممن تمت عليه النعمة، وأما من أشرك بالله أو عظم مخلوقا جمادا أو حيا بشيء من بأنواع التعظيم التي لا تصلح إلا لله؛ فإنه قد أحبط عمله، وقد أفسد أعماله وأفسد إسلامه.
ولعلنا أن نذكر بعض الأمثلة على ذلك الذي هو حقيقة التوحيد، وما يضاد ذلك من الشرك، فنتذكر أن عباداتنا التي تعبدنا بها أنها لله سبحانه وتعالى.
فالإحرام عبادة لله تعالى؛ ولهذا المسلم المحرم يتجرد عن لباسه المعتاد تذللا وعبودية وخضوعا لله سبحانه وتعالى، والطواف بالبيت عبادة لله سبحانه وتعالى؛ بمعنى أن الإنسان إذا كان في الطواف يكون خاشعا لربه وخاضعا له ومعظما له؛ ولهذا يجتهد في الذكر ويجتهد في الدعاء أو في قراءة القرآن -عبادات قولية، وكذلك أيضا يخشع ويخضع ويتواضع لربه سبحانه وتعالى عبادات فعلية.
كذلك أيضا بقية أعمال المناسك كلها عبادات، الوقوف بعرفة خضوع لله سبحانه وتعالى، والمبيت بمزدلفة وذكر الله هناك امتثالا لقوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ هذا أيضا عبادة؛ يعني كونهم يبقون في ذلك المكان لأن ذلك من تعظيم حرمات الله التي أمر الله بتعظيمها احتراما لله وتواضعا لله في قوله تعالى وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ؛ يعني محارم الله ومشاعر الله وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ؛ يعني الأماكن التي جعلها الله تعالى شرائع وشعائر لعباده كقوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ .
فالطواف بالبيت تعظيم لشعائر الله، والسعي بين الصفا والمروة تعظيم لشعائر الله، ورمي الجمار تعظيم لشعائر الله، كل ذلك امتثال لأمر الله، فكل ذلك نعتبره طاعة وعبادة.
وإذا عرفنا أن هذه الذي تفردنا بها أنها عبادات لربنا سبحانه وتعالى، نعرف أن هناك من أفسد عباداته بنوع من الشرك سواء شركا قوليا، أو شركا فعليا، وننزهكم إن شاء الله عن مثل هذه الشركيات، ولكن نذكركم بها حتى تكونوا على حذر وحتى تعلموا خطر أولئك الذين يفعلونها، أنهم قد وقعوا في الشرك.